التربية المبكرة في حياة أطفالنا
التربية المبكرة في حياة أطفالنا
ولعلي أضيف على ما قاله الدكتور عبد الله الخليفة قصص علمائنا الكبار الذين عاشوا أيتاما في كنف أمهاتهم فكانوا من نعرفهم تحت جناح امرأة فقط ونذكر منهم: “الإمام الشافعي، وابن حنبل، والصحابي الجليل أبو هريرة، والبخاري، والأوزاعي، والعسقلاني، وابن الجوزي وغيرهم”.
حقيقة يمكن للطائرة أن تكمل رحلتها بمحرك واحد هو الأم لظروف قاهرة، لأن التربية تصلح بصلاح و حكمة المربي ولو كان بمفرده، لكن رحلته بالتأكيد ستكون شاقة و مجهدة، وخسارة الطرف الثاني الذي ابتعد عن ساحته وملعبه ستكون عظيمة عندما يكبر الأولاد ويجد نفسه غريبا بينهم، سيشعر ببعد المسافة والوحشة التي تقف حاجزا بينه وبين استمتاعه برفقة أولاده، وشعوره بأن ما وصلوا إليه لم يكن بفضله، والأهم هو ما سيخسر من حسنات و ستكتب يوم القيامة في صحيفة من صبر وتحمل وبذل الجهد في تربية الأبناء، حينئذ سيندم أشد الندم على تفريطه.
يشبه الأمر تماما ذلك الذي نال شهادة تعليمية معتمدا على وسائل الغش المعروفة ليلج ميدان العمل وهو مدرك أن ما تهرب منه في الماضي لم يعد بوسعه إدراكه اليوم، والشهادة هنا تعني أن يكبر الأولاد وتظهر عليهم آثار التربية الناجحة، فينظر من فرط بحسرة لتركه مكانه ومهمته.
على أن المشكلة الحقيقية تكمن كذلك في تخلي الأمهات عن حمل هذه الأمانة، والاستهانة بالسنوات الأولى من عمر الطفل بحجة أنه ما زال صغيرا، أو بحجة الانشغال، والتخلي لا يكون بالمفارقة عادة، بل من الممكن أن تكون الأم في نفس البيت و نفس الغرفة لكنها مشغولة عن أطفالها بوسائل التواصل أو التلفاز مثلا، أو مع صديقاتها والأقارب، أو في عملها المنزلي الذي تمنحه جل وقتها واهتمامها، أو حتى عملها خارج المنزل، ومن ثم تترك شؤون الطفل لأشخاص آخرين تستأجرهم كالمدرس والمربي والخدم دون أن تدرك أن تواجدها إلى جانب الطفل هو الأهم في هذه المرحلة الحساسة جدا من حياته، وهذا يعني أن ندرك كل ما يدور بباله، وكل ما يتعلمه، وكل ما يراه، أو يسمعه، أو يفكر فيه، و يحدث له.
“إن نتائج إهمال التربية وخاصة في السنوات الخمس الأولى أشبهها بمن بدأ بغرس شجرة فلم يقم بتقليمها و قطع الفروع الكثيرة الصغيرة النابتة حول الساق، وترك الطفل مستباحا لأجهزة التلفاز والحواسيب ومواقع الشبكة العنكبوتية الخطيرة ولم يعبأ بتعليمه وتربيته، فكان أن خرجت الشجرة مشوهة بسيقان متعددة وملتوية وضعيفة مقارنة بشجرة اعتنى بها صاحبها وقام بتقليمها مبكرا، فكان لا يسمح لفرع صغير أن يشارك الساق مكانها وغذاءها، وكان يقوم اعوجاجها بشدها إلى عود صلب مستقيم منذ بداية نموها فكان أن نمت الشجرة باسقة قوية مستقيمة وذات مردود عال.“
وإن من أسباب الإهمال غياب الرؤية والهدف أولا، فلا يدرك الوالدان معنى هذه الأمانة التي أوكلت إليهما، فسرعان ما سينقضي الوقت ويفوت حينها أوان التغيير ويبدأ الندم، ويخلط الكثير بين مفهوم الرعاية والتي تشمل قضاء حوائج الطفل المادية وبين التربية التي تستهدف شخصيته ونفسه وعقيدته وعقله وسلوكه.
علينا أن ندرك أنها سنوات معدودة من عمر الطفل إن عشنا خلالها معه وقدمنا له ما يستحق من رعاية و تربية ستكون النتائج مرضية في الدارين، وأنها أمانة قد ارتضينا حملها عندما قررنا الزواج بداية لأن الإنجاب نتيجة طبيعية للأمر، وعلى هذا فإننا سنقف وستعرض أعمالنا و سنحاسب أمام الله تعالى ويقف أولادنا ليشهدوا علينا، نسأل الله أن يقال لنا حينها جميعا: “نشهد أنكم قد أديتم الأمانة”.
فلا بد من تفرغ، ولا بد من معايشة الأولاد يوما بيوم وخطوة بخطوة، ولا بد من الرقابة، ولا بد من الحماية، وبناء العقيدة والإيمان، والتعلم، والعناية بالشخصيات التي ستقود هذا العالم، ونيل الأجر فرحا ورضا في الدنيا وحسنات وجنة في الأخرة.
المصدر : موقع عالم زيدو
تعليقات
إرسال تعليق